مجرد الأسباب، فإن الله يخذله ويكله إلى نفسه، والنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد قبل عقوبة الآخرة.
والله تبارك وتعالى لا بد أن يبتلي عباده بالمصائب والمحن ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، والمؤمن من المنافق.
وهذه سنة الله في عباده، لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر، وهذه فائدة المحن، لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين.
والله سبحانه يبتلى عباده حسب إيمانهم بأنواع المصائب، ويبتليهم بشيء يسير من الخوف والجوع، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، لأنه سبحانه لو ابتلاهم بالخوف كله أو ذهاب الأموال كلها، أو الثمرات كلها ونحو ذلك لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك.
وهذه الأمور لا بد أن تقع، لأن الله أخبر بها، وقد وقعت وما زالت تقع كما أخبر الله.
فإذا وقعت تلك المصائب انقسم الناس قسمين:
قسم صابرون .. وقسم جازعون.
فالجازع حصلت له المصيبتان، فوات المحبوب وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها وهو الأجر الذي يناله بالصبر عليها، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكر، وحصل له السخط الدال على نقص الإيمان.
وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظ من المصيبة التي حصلت له، فإن المصيبة تكون نعمة في حقه، لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها، فقد امتثل أمر الله فيها، وفاز بالثواب