والنعم التي أنعم الله بها على الخلق، والمصائب التي تصيب الخلق، كلها قد كتبت في اللوح المحفوظ صغيرها وكبيرها، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل منه أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)} [الحديد: ٢٢].
وقد أخبر الله عباده بذلك لأجل ألا يأسوا على ما فاتهم، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، فلا بد من وقوعه، فلا سبيل إلى دفعه.
ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه، فيشتغلوا بذكر وشكر من أولى النعم، ودفع النقم: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣)} [الحديد: ٢٣].
وجميع المصائب في النفس والمال، والأهل والأولاد، والأحباب ونحوهم، كل ذلك كائن بقضاء الله وقدره، وقد سبق بذلك علم الله تعالى، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته.
والشأن كل الشأن هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟.
فإن قام بها فله الثواب الجزيل والأجر الجميل في الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله فرضى بذلك وسلم لأمر الله، هدى الله قلبه فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، وصبر على قضاء الله، حصل له بذلك ثواب عاجل مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب كما قال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١)} [التغابن: ١١].
ومن لم يؤمن بالله عند ورود المصائب، فلم يلحظ قضاء الله وقدره، بل وقف مع