للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتاً إضاعته حسرة وندامة .. وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه .. وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه .. وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة .. وإما أن تجلب هماً وغماً، وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة .. وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة .. وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً .. وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة .. وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول .. فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق.

والشهوات في الدنيا موجودة، لكن الدنيا ليست محل قضاء الشهوات، فإن محل قضاء الشهوات وتكميلها في الآخرة.

ولو جمعنا ما في الدنيا كلها ما كفى لقضاء شهوة رجل واحد، لكن في الدنيا المطلوب تكميل الإيمان والأعمال الصالحة، وكل ما يحب الله من الصفات، ويوم القيامة فيه تكميل ما يحب المخلوق من الشهوات واللذات.

فالدنيا محل قضاء الضرورات، وليست محل تكميل الشهوات.

وقد خلق الله بطن الأم لتكميل أعضاء الإنسان وجوارحه.

وخلق الدنيا لتكميل الإيمان والأعمال الصالحة.

وخلق الآخرة لتكميل شهوات الإنسان .. وتحقيق القسط والعدل .. وإبلاغ البشرية إلى آفاقها العليا من النعيم.

وأغلب شهوات الإنسان وأظهرها ثلاث:

شهوة بطنه .. وشهوة فرجه .. وشهوة لسانه.

ثم الغضب الذي هو كالجندي لحماية الشهوات، ثم مهما أحب الإنسان شهوة البطن والفرج وأنس بهما أحب الدنيا، ولم يتمكن منها إلا بالمال والجاه، وإذا طلب المال والجاه وحصلهما، حدث فيه الكبر والعجب، وحب الرياسة.

وإذا ظهر ذلك لم تسمح نفسه بترك الدنيا رأساً، وتمسك من الدين بما فيه الرياسة، وغلب عليه الغرور، وثقلت عليه الأوامر، وهانت عليه المعاصي.

وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ أصناف الشهوات بقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>