للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوس الزكية إلى أعلى الأوكار.

وكل لذة أعقبت ألماً أو منعت لذة أكمل منها فليست لذة في الحقيقة، وإن غالطت النفوس في الالتذاذ بها.

فأي لذة لأكل طعام شهي مسموم يقطع أمعاءه عن قريب؟.

وهذه هي لذات الكفار والفساق بعلوهم في الأرض، وفسادهم وفرحهم فيها بغير الحق ومرحهم كلذة الذين اتخذوا من دون الله أولياءه، ولذة العقائد الفاسدة، ولذة غلبة أهل الجور والظلم، ولذة أهل الزنى والسرقة وشرب الخمر، ولذة أهل الكبائر والفجور.

ولم يمكنهم الله من ذلك لخير يريده بهم، بل هو استدراج منه ليبتليهم به فيحصل لهم أعظم الألم كما قال سبحانه: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)} [المؤمنون: ٥٥، ٥٦].

ولا غبطة فيما عند الكفار من الأموال والأولاد فإن أول عقوباتها عليهم أن قدموها على مراضي الرب، وعصوه لأجلها: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥)} [التوبة: ٥٥].

فكم ينالهم من المشقة في تحصيلها، والسعي في طلبها، وهم القلب فيها، وتعب البدن من أجلها؟.

فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم لم يكن لها نسبة إليها، ومن وبالها عليهم أن قلوبهم تتعلق بها، وإرادتهم لا تتعداها، فتكون منتهى مطلوبهم، وغاية مرغوبهم، ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب، فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا بلا أرباح، وتزهق أنفسهم وهم كافرون.

فأي عقوبة أعظم من هذه العقوبة الموجبة للشقاء الدائم، والحسرة الأبدية؟.

وكل ما يصد عن اللذة المطلوبة الباقية، فهو وبال على صاحبه، لكن لما كانت النفوس الضعيفة كنفوس النساء والصبيان لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>