بإعطائها شيئاً من لذة اللهو واللعب، بحيث لو فطمت عنه كل الفطام طلبت ما هو شر لها منه، رخص لها من ذلك فيما لم يرخص فيه لغيرها. وذلك من باب الشفقة والرحمة والإحسان كما مكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عمير من اللعب بالعصفور بحضرته، ومكن الجاريتين من الغناء بحضرته، ومكن عائشة من النظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، ومكن تلك المرأة أن تضرب على رأسه بالدف.
ومثله إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم من الزكاة والغنيمة، لضعف قلوبهم عن قلوب الراسخين في الإيمان من أصحابه.
ومزاحه - صلى الله عليه وسلم - مع من كان يمزح معه من الأعراب والصبيان والنساء تطييباً لقلوبهم، واستجلاباً لإيمانهم، وتفريحاً لهم.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يبذل للنفوس من الأموال والمنافع، ما يتألفها به على الحق المأمور به، ويكون المبذول مما يلتذ به الآخذ ويحبه، لأن ذلك وسيلة إلى غيره.
ولا يفعل ذلك مع من لا يحتاج إليه كالمهاجرين والأنصار، بل يبذل لهم أنواعاً أخر من الإحسان إليهم والمنافع في دينهم ودنياهم، بتوجيه قلوبهم إلى مولاهم.
واللذات ثلاثة أقسام:
لذة جثمانية .. ولذة خيالية .. ولذة عقلية.
فاللذة الجثمانية لذة الأكل والشرب، والجماع والنوم، وهذه اللذة يشترك فيها الإنسان مع الحيوان البهيم، فليس كمال الإنسان بهذه اللذة، لمشاركة أنقص الحيوانات له فيها، ولأنها لو كانت كمالاً لكان أفضل الناس وأشرفهم وأكملهم أكثرهم أكلاً وشرباً وجماعاً ونوماً، ولو كانت كمالاً لكان نصيب رسل الله وأنبيائه وأوليائه منها في هذه الدار أكمل من نصيب أعدائه.
فلما كان الأمر بالضد تبين أنها ليست في نفسها كمالاً، وإنما تكون كمالاً إذا تضمنت إعانة على اللذة الدائمة العظمى.