وأما اللذة الوهمية الخيالية فلذة الرياسة، والتعاظم على الخلق، والفخر والاستطالة عليهم، وهذه وإن كان طلابها أشرف نفوساً من طلاب اللذة الأولى، فإن آلامها وما توجبه من المضار والمفاسد أعظم من التذاذ النفس بها.
فإن صاحبها منتصب ومستعد لمعاداة كل من تعاظم وترأس عليه، واحتقار من دونه.
فهذه في الحقيقة ليست بلذة، وإن فرحت بها النفوس وسرت بحصولها.
وربما قيل أنه لا حقيقة للذة في الدنيا وإنما غايتها دفع آلام، كما يدفع ألم الجوع والعطش وألم الشهوة بالأكل والشرب والجماع، وألم الخمول وسقوط القدر عند الناس بالرياسة والجاه، لكن لا ريب أن اللذة أمر وجودي يستلزم دفع الألم بما بينهما من التضاد.
وأما اللذة العقلية الروحانية، فكلذة العلم والمعرفة، والاتصاف بصفات الكمال، من الكرم والجود والعفة، والشجاعة والصبر، والمروءة والحلم ونحوها، فالالتذاذ بذلك من أعظم اللذات، وهو لذة للأنفس العلوية الشريفة.
فإذا انضمت اللذة بذلك إلى لذة المعرفة بالله ومحبته وعبادته والرضا به عوضاً عن كل شيء، صاحب هذه اللذة في جنة عالية، نسبتها إلى لذات الدنيا كنسبة لذة الجنة إلى لذة الدنيا.
فإنه ليس للقلب والروح، ألذ ولا أطيب، ولا أحل ولا أنعم، من لذة محبة الله، والإقبال عليه، وعبادته ورؤيته والأنس به.
ومثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدله أمثال الجبال من لذات الدنيا.
وأكمل الناس لذة من جمع له بين:
لذة القلب .. ولذة الروح .. ولذة البدن.
فهو يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة، ولا يقطع عليه لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه.
فهذا ممن قال الله فيه: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ