الرابع: معرفة طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وهما انحراف إلى الضلال الذي سببه فساد العلم والاعتقاد، وانحراف إلى الغضب والمعاصي الذي سببه فساد القصد والعمل.
أما استكمال القوة العملية فلا تتم إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على عباده، والقيام بها إخلاصاً وصدقاً على أكمل الوجوه، مع شهود تقصيره في أداء حقه سبحانه.
فهو مستحٍ من مواجهة ربه الملك الجبار بتلك الخدمة، لعلمه أنها دون ما يستحقه سبحانه، لا سبيل إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعرفته سبحانه.
وقد تضمنت ذلك كله سورة الفاتحة كما قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} [الفاتحة: ٢ - ٧].
فأول السورة رحمة .. وأوسطها هداية .. وآخرها نعمة.
وحظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية، وحظه من الهداية على قدر حظه من الرحمة، فعاد الأمر كله إلى نعمته ورحمته سبحانه.
وهو سبحانه رب العالمين، فلا يليق به أن يترك عباده سدى وهملاً، لا يعرفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، فهذا هضم للربوبية، ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به.
والله عزَّ وجلَّ هو المألوه المعبود، ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله، وهو سبحانه الرحمن الرحيم، ورحمته تمنع إهمال عباده وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم.
واسم الرحمن الرحيم متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظم من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات النبات.