وهذا التميز، وهذه المفاصلة .. قد يكلف العصبة المسلمة تضحيات ومشقات، غير أن ذلك لن يكون أشد ولا أكبر من الآلام والعذاب الذي يصيبها نتيجة التباس موقفها وعدم تميزها، ونتيجة اندماغها وتميعها في قومها .. والمجتمع الجاهلي من حولها.
ومراجعة تاريخ الدعوة إلى الله في القرآن على أيدي جميع الرسل والأنبياء، يعطينا اليقين الجازم بأن فتح الله ونصره، وتحقيق وعد الله بغلبة رسله والذين آمنوا معهم، لم يقع مرة واحدة، قبل تميز العصبة المسلمة ومفاصلتها لقومها، على العقيدة، وعلى منهج الحياة، وانفصالها بعقيدتها ودينها عن عقيدة الجاهلية ودينها.
وطريق هذه الدعوة واحد، ولن يكون في شأنها إلا ما كان على عهود رسل الله جميعاً الذين اختارهم الله ورباهم وأرسلهم.
فمتى تفقه الأمة كلام ربها، وتستجيب له، وتستقيم عليه؟.
إن هذا الدين كامل وشامل، له حكم في كل مناسبة .. ليس مجرد عقيدة تستكن في القلب فحسب .. وليس مجرد شعائر تؤدى في أوقاتها .. إنما هو الاتباع الكامل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه .. وفيما يشرعه ويسنه.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر الناس بالإيمان بالله ورسوله فحسب .. ولم يأمرهم بالشعائر التعبدية فحسب .. ولكنه أبلغهم شريعة الله في قوله وفعله، ولا رجاء أن يهتدي الناس إلا إذا اتبعوه في هذا كله: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)} [الأعراف: ١٥٨].