وأيضاً فإن هذه الحوادث نعمة في حق المؤمن، فإنها إذا وقعت فهو مأمور أن يجاهد أربابها بحسب الإمكان، فيترتب على الإنكار والجهاد من مصالح نفسه وبدنه، ومصالح دنياه وآخرته، ما لم يكن ينال بدون ذلك.
والمقصود الأول إتمام نعمته تعالى على أوليائه ورسله وخاصته، فاستعمال أعدائه فيما تكمل به النعمة على أوليائه غاية الحكمة، وكان في تمكين الكفار والفساق والعصاة من ذلك إيصال إلى الكمال الذي يحصل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادهم، والإنكار عليهم، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، وبذل نفوسهم وأموالهم له.
وتمام العبودية لا يحصل إلا بالمحبة الصادقة، والمحبة الصادقة علامتها أن يبذل المحب ما يملكه من مال ورياسة وقوة، في مرضاة محبوبه، والتقرب إليه، فإن بذل روحه كان هذا أعلى درجات المحبة الصادقة.
ومن لوازم ذلك التي لا يحصل إلا بها، أن يخلق ذواتاً وأسباباً، وأعمالاً، وأخلاقاً وطبائع، تقتضي معاداة من يحبه، ويؤثر مرضاته لها، وعند ذلك تتحقق المحبة الصادقة من غيرها.
وكل أحد يحب الإحسان والراحة، والدعة واللذة، ويحب من يوصل إليه ذلك.
ولكن الشأن كل الشأن في محبته سبحانه، ومحبة ما يحبه، مما هو أكره شيء إلى النفوس، وأشق شيء عليها مما لا يلائمها.
فعند حصول أسباب ذلك يتبين من يحب الله لذاته، ويحب ما يحب، ممن يحبه لأجل نعمه ومخلوقاته، فإن أعطي منها رضي، وإن منعها سخط وعتب على ربه، وربما شكاه، وربما ترك عبادته: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)} [الحج: ١١].
فلولا خلق الأضداد، وتسليط أعدائه، وامتحان أوليائه، لم يستخرج خاص العبودية من عبيده الذين هم عبيده، ولم يحصل لهم عبودية الموالاة فيه،