وهو سبحانه مالك الملك، لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارضه فيه معارض، وتصرفه في الملك والممالك والمماليك دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة، والرحمة واللطف، فلا يخرج تصرفه عن ذلك.
فله الحمد كله على خلقه وأمره وتدبيره.
والملك والحمد في حقه متلازمان، فكل ما شمله ملكه شمله حمده، فهو المحمود في ملكه، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته.
ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأمره، فهو المحمود على كل ما خلقه وأمر به حمد شكر وعبودية، وحمد ثناء ومدح، ويجمعها التبارك كما قال سبحانه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤].
والحمد أوسع الصفات وأعم المدائح، لأن جميع أسمائه حمد، وصفاته كلها حمد، وأحكامه حمد، وأفعاله حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أعدائه حمد، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد.
والله عزَّ وجلَّ هو الملك الذي لا إله إلا هو رب العالمين، وقيوم السموات والأرضين، ولكمال ملكه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.
العالم بكل شيء، الذي لكمال علمه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، يعلم دبيب الخواطر في القلوب، حيث لا يطلع عليها الملك، ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليه القلب.
البصير الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة، ويرى جريان دمها في عروقها وعظامها النحل، ويسمع ويرى دبيب الذرة السوداء، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.