فالله على كل شيء قدير، يختار من عباده المؤمنين من يقوم بإقرار دين الله في الأرض، وتمكين سلطانه في حياة البشر، وتحكيم منهجه في حياتهم، وتنفيذ شريعته في خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فمن رفض هذا الفضل، فالله يختار من عباده من يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم، من قوم يحبهم ويحبونه، ولا يقدر حقيقة هذا العطاء إلا الذي يعرف حقيقة المعطي، الذي يعرف من هو الله.
وحب الله لعبد من عبيده أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من يعرف الله سبحانه بأسمائه وصفاته، وحب العبد لربه نعمة لهذا العبد لا يدركها كذلك إلا من ذاقها.
وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمراً هائلاً عظيماً، وفضلاً من الرب جزيلاً، فإن إنعام الله على العبد بهدايته لحبه، وتعريفه هذا المذاق الجميل، هو إنعام هائل عظيم، وفضل من الله جزيل: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠)} [هود: ٩٠].
فليست العلاقة بين الله والإنسان علاقة قهر وقسر، وعذاب وعقاب، وجفوة وانقطاع، بل بين الله وعباده علاقة الرحمة، علاقة العدل، علاقة الإحسان، علاقة العفو، علاقة الود: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٦٥)} [الحج: ٦٥].
وقد حدد الله للمؤمنين جهة الولاء الوحيدة، والتي تتفق مع صفة الإيمان، وبين لهم من يتولونه بقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥)} [المائدة: ٥٥].
وهكذا كشف الله جهة الولاء بأن تكون لله ورسوله والمؤمنين، وأن يكون الإسلام هو الدين، ويكون الأمر أمر مفاصلة بين الصف المسلم وغيره.
ولكن حتى لا يكون الإسلام مجرد عنوان، أو مجرد راية وشعار، أو مجرد كلمة تقال باللسان، فإن الله وصف المؤمنين الذين يتولاهم المسلم ويتولونه بأنهم الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون ربهم.
والله يعد الذين آمنوا في مقابل الثقة به، والتوكل عليه، والولاء له وحده،