فهو هكذا مع لصوص الجن والإنس، ليس كمن فتح لهم خزائنه، وولى الباب ظهره، وتركهم يسرقون ويفسدون.
وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه فقط.
بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها.
ولا يحصل هذا بمجرد قول اللسان فقط، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار، فلا بدَّ من قول القلب وقول اللسان.
ومعرفة الله لها بابان واسعان:
الباب الأول: النظر والتفكر في آيات الله المتلوة، والنظر والتفكر في آيات الله المشهودة.
وتأمل حكمته فيها وقدرته، ولطفه وإحسانه وعدله، ويتم ذلك بمعرفة أسماء الله وصفاته، وجلالها وكمالها، وتفرده بذلك، وتعلقها بالخلق والأمر.
فيكون العبد فقيهاً في أسماء الله وصفاته .. فقيهاً في أوامره ونواهيه .. فقيهاً في قضائه وقدره .. فقيهاً في الحكم الديني الشرعي .. فقيهاً في الحكم الكوني القدري .. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)} [الحديد: ٢١].
والله سبحانه المالك لهذا الكون، يدبره بحكمته، ويتصرف فيه بما يشاء، وهو على صراط مستقيم في قوله وفعله، وفي قضائه وقدره، وفي أمره ونهيه، وفي ثوابه وعقابه.
خبره كله صدق .. وقضاءه كل عدل .. وأمره كله مصلحة .. وما نهى عنه كله مفسدة .. وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته .. وعقابه لمن يستحق