والنوعان نافذان في العبد، ماضيان فيه، شاء أم أبى، لكن الحكم الكوني القدري لا يمكنه مخالفته، وأما الديني الشرعي فقد يخالفه.
والقضاء هو الإتمام والإكمال، وإنما يكون بعد مضيه ونفوذه، فالحكم الذي نفذه الله في عبده عدل منه فيه، وذلك يتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه: من صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وعفو كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ» أخرجه أحمد (١).
فجعل المضاء للحكم، والعدل للقضاء.
وأما الحكم فهو ما يحكم به سبحانه، وقد يشاء تنفيذه، وقد لا ينفذه، فإن كان حكماً دينياً فهو ماضٍ في العبد، وإن كان كونياً، فإن نفذه سبحانه مضى فيه، وإن لم ينفذه اندفع عنه.
فهو سبحانه على كل شيء قدير، يمضي ما يقضي به، وغيره قد يقضي بقضاء، ويقدر أمراً، ولا يستطيع تنفيذه، وهو سبحانه يقضي ويمضي ما شاء في أي وقت شاء، وفي أي مكان شاء.
وصلاح الحياة واستقامتها إنما تتم إذا كان الآمر في المملكة واحداً، فإن تعدد الآمرون بالحركات تعارضت حركات البشر بعضهم مع بعض وتعاندت، ثم
(١) صحيح: أخرجه أحمد برقم (٤٣١٨)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (١٩٩).