للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقلهم الشيطان منه إلى دعاء الناس إلى عبادته، واتخاذه عيداً ومنسكاً يقصده الناس من كل مكان.

فلما تقرر ذلك عندهم، زيَّن لهم الشيطان ونقلهم منه إلى اعتبار أن من نهى عن ذلك فقد تنقص أهل الرتب العالية من الأنبياء والصالحين، وحط من قدرهم، وزعم أنه لا حرمة لهم ولا قدر، وسرى ذلك في نفوس الجهال والطغام. وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين، حتى عادَوْا أهل التوحيد؛ ورموهم بالعظائم، ونفَّروا الناس منهم وعنهم، ووالوا أهل الشرك وعظموهم، وزعموا أنهم أولياء الله، وأنصار دينه، ويأبى الله ذلك: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤)} [الأنفال: ٣٤].

فهذه خطوات الشيطان في إفساد يقين العباد على ربهم، وإغرائهم بعبادة الأصنام من دون الله، وقد حذرنا الله منه بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١)} [النور: ٢١].

والتوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم هو إفراد الله بالعبادة كلها، ليس فيها حق لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلاً عن غيرهم، فمن عبد الله ليلاً ونهاراً، ثم دعا نبياً أو ولياً عند قبره فقد اتخذ إلهين اثنين: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١)} [النحل: ٥١].

ومن ذبح لله ألف أضحية، ثم ذبح لنبي أو غيره، فقد اتخذ إلهين اثنين، وهذا هو الشرك الذي حذرنا الله منه، وأمرنا بالتوحيد في جميع الأحوال كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)} [الأنعام: ١٦٢، ١٦٣].

فمن أخلص العبادات كلها لله، ولم يشرك فيها غيره، فهو المؤمن الموحد الذي شهد أن لا إله إلا الله، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو المشرك، ومن عبد غيره

<<  <  ج: ص:  >  >>