للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآيَة. [الروم: ٣٠]. متفق عليه (١).

وقد أنشأ الله البشر مفطورين على الاعتراف له بالربوبية وحده، أودع هذا في فطرة كل حي فهو ينشأ عليه، حتى ينحرف عنه بفعل فاعل يفسد إيمانه، ويميل به عن فطرته كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله تعالى: وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأمَرَتْهُمْ أنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا». أخرجه مسلم (٢).

فالتوحيد ميثاق معقود بين الفطرة وخالقها، مودع في كل خلية منذ نشأتها، وهو ميثاق أقدم من الرسل والرسالات، وفيه تشهد كل خلية بربوبية الله سبحانه.

فلا سبيل إلى الاحتجاج بعد ميثاق الفطرة وشهادتها، ولا سبيل إلى أن يقول أحد إنه غفل عن كتاب الله الهادي إلى التوحيد، وعن رسالات الله التي دعت إلى هذا التوحيد.

أو يقول إني خرجت إلى هذا الوجود فوجدت آبائي على الشرك، ولم يكن أمامي سبيل إلى معرفة التوحيد، إنما ضل آبائي فضللت فهم المسئولون وحدهم، فلن يقبل هذا كله يوم القيامة: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)} [الأعراف: ١٧٢، ١٧٣].

ولكن الله رؤوف بالعباد، يعلم أن فطرتهم هذه تتعرض لعوامل الانحراف، فرحمة منه بعباده قدر ألا يحاسبهم على عهد الفطرة هذا، كما أنه لا يحاسبهم على ما أعطاهم من عقل يميزون به، حتى يرسل إليهم الرسل، ويفصل لهم الآيات، ليستنقذ فطرهم من الانحراف، ويستنقذ عقولهم من ضغط الهوى والضعف والشهوات.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١٣٥٨) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٦٥٨).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٢٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>