ولو كان الله تبارك وتعالى يعلم أن الفطر والعقول تكفي وحدها للهدى، دون رسل ولا رسالات، ودون تذكير وتفصيل للآيات، لأخذ الله عباده بها.
ولكنه سبحانه رحمهم بعلمه، فجعل الحجة عليهم هي الرسالة، كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤)} [الأعراف: ١٧٤].
يرجعون إلى فطرتهم وعهدها مع الله، وإلى ما أودعه الله في نفوسهم من قوى البصيرة والإدراك.
وذلك كفيل بانتفاض حقيقة التوحيد في القلوب التي ضلت، وردها إلى بارئها الوحيد، الذي فطرها على عقيدة التوحيد، ثم رحمها فأرسل إليها الرسل بالآيات للتذكير والتحذير.
وفطرة الله التي فطر الناس عليها هي عهد الله الذي عقده مع البشر، المركوز في طبيعة كل حي أن يعرف خالقه، ويتجه إليه وحده بالعبادة.
فإذا نقض هذا العهد العظيم فقد دخل في الشرك الذي لا يغفر الله لصاحبه.
ولماذا يتخذ العبد ولياً من دون الله؟
إن كان يتولاه لينصره ويعينه .. فالله هو فاطر السموات والأرض .. وهو خير الناصرين.
وإن كان يتولاه ليرزقه ويطعمه، فالله هو الرزاق المطعم للخلائق كلها.
وقد كان كفار قريش يرفعون يداً للإيذاء والحرب والتنكيل، ويمدون يداً أخرى للإغراء والمصالحة واللين، وفي وجه هذه المحاولة المزدوجة أمر الله رسوله أن يقذف هؤلاء بالاستنكار العنيف، والحسم الصريح بقوله:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}[الأنعام: ١٦٤].