وقد أنزل الله الكتاب بالحق على رسوله - صلى الله عليه وسلم - .. الحق الواحد الذي يصرف السموات والأرض .. ويصرف أهل السموات والأرض .. وهو المنهج الذي يسير عليه البشر في أنحاء الأرض بعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، وقيام الحياة كلها على أساس هذا التوحيد.
والقلب الذي يوحد الله، يدين لله، وحده لا شريك له، ولا يحني هامته لأحد سواه، ولا يطلب شيئاً من غيره.
والقلب الذي يوحد الله، يؤمن بوحدة الناموس الإلهي الذي يصرف الوجود كله، ويؤمن بأن الدين الذي اختاره الله للبشر لا تصلح حياة البشر إلا به، ولا تستقيم مع الكون الذي يعيشون فيه إلا باتباعه، ومن ثم لا يختار غير ما اختاره الله من النظم والسنن والأحكام، ولا يتبع إلا شريعة الله المتسقة مع نظام الوجود كله، ونظام الحياة الشامل.
وكذلك تبدو آثار التوحيد في التصورات والمشاعر، كما تبدو في السلوك والتصرفات، وترسم للحياة كلها منهاجاً كاملاً واضحاً متميزاً وفق أمر الله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (٢)} [الزمر: ٢].
إن التوحيد والشرك متقابلان، لا يجتمعان أبداً، فكما لا يجتمع النور مع الظلام، فكذلك لا يجتمع التوحيد والشرك في قلب واحد، وفي آن واحد.
وقد ضرب الله مثلاً للعبد الموحد والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء، يخاصم بعضهم بعضاً فيه، وهو بينهم موزع، ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج، ولا يستقيم على طريق، ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتعارضة.
وعبد آخر يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلب منه، فهو مستريح مستقر على منهج واحد من مصدر واحد كما قال سبحانه: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩)}