فإذا ثبت قدم العبد في توحيد الربوبية رقى منه صاعداً إلى توحيد الإلهية، فإنه إذا تيقن أن الخلق والأمر، والضر والنفع، والعطاء والمنع والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، وكل شيء بيد الله لا بيد غيره، وأنه الذي يقلب القلوب ويصرفها وحده، وأنه لا موفق إلا من وفقه الله وأعانه، ولا مخذول إلا من خذله وأهانه وتخلى عنه، وأن أصح القلوب وأسلمها من اتخذه وحده إلهاً ومعبوداً، فكان أحب إليه من كل ما سواه، وأرجى له من كل ما سواه، وأخوف عنده من كل ما سواه، فهذا علامة توحيد الإلهية في قلب العبد.
والله تبارك وتعالى يريد منا تحقيق التوحيد في حياتنا، وحياة البشرية كلها، كما حققه الله في الكون كله، وفطر كل مخلوق على التسبيح بحمده.
فخلق الله القلوب للتوحيد والإيمان واليقين .. وخلق اللسان لذكره وتكبيره .. وحمده والثناء عليه .. والدعوة إليه .. وتعليم دينه.
وخلق الجوارح لعبادته وطاعته وتنفيذ أوامره.
وكما يحرك الله الكون كله وما فيه بالسنن الكونية، كذلك هو يحب سبحانه من البشر أن يتحركوا بالسنن الشرعية التي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه، لأن له الخلق والأمر في الكون كله.
فلا سعادة للبشرية في الدنيا والآخرة، ولا طمأنينة لها إلا بالإيمان والتوحيد.
فيطمئن كل قلب، وتحصل له السكينة بالإيمان بالله وتوحيده وذكره.
ويتحقق التوحيد في اللسان بالإقرار بالشهادتين، وذكر الله وتكبيره، وحمده والثناء عليه في كل حين.
ويتحقق التوحيد في الجوارح بطاعة الله ورسوله، وتطبيق مقتضيات الإيمان على كل عضو من أعضاء الإنسان.