للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماذا يملك الإنسان من أمره إذا كانت ناصيته بيد الله، ونفسه بيده، وقلبه بين إصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء، وحياته وموته بيده، وسعادته وشقاوته بيده، وعافيته ومرضه بيده، وغناه وفقره بيده؟.

وحركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله بإذن الله ومشيئته؟

إن وكله الله إلى نفسه وكله إلى عجز وضيعة، وتفريط وخطيئة.

وإن وكله إلى غيره وكله إلى من لا يملك له ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

وإن تخلى عنه استولى عليه عدوه، وجعله أسيراً له، فهو لا غنى له عنه طرفة عين، ومع ذلك فهو لجهله متخلف عنه، معرض عنه، يتبغض إليه بمعصيته مع حاجته إليه.

نسي ذكره، واتخذه وراءه ظهرياً مع أنه إليه مرجعه، وبين يديه موقفه، وفوق هذا رافق عدوه، واستجاب لأوامره: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨)} [النساء: ٣٨].

وقد ذم الله عزَّ وجلَّ أهل الجهل في كتابه، وشبههم بالأنعام، بل وصفهم بأنهم أضل سبيلاً كما قال سبحانه: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} [الفرقان: ٤٤].

وأخبر سبحانه بأن الجهال شر الدواب عند الله، على اختلاف أصنافها من الحمير والسباع، والكلاب والحشرات، وسائر الدواب والأنعام.

فالجهال شر منهم، وليس على دين الرسل أضر من الجهال، بل هم أعداؤه على الحقيقة، كما قال سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢)} [الأنفال: ٢٢].

فهؤلاء الجهال صمٌّ عن استماع الحق .. بكْمٌ عن النطق به .. لا يعقلون ما ينفعهم .. ولا يؤثرونه على ما يضرهم .. فهم شر من جميع الدواب .. لأن الله أعطاهم أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ليستعملوها في طاعة الله، فاستعملوها في

<<  <  ج: ص:  >  >>