فكيف ينسى الإنسان ربه، ويكفر بنعمه، ويسأل غيره، ويشكو مَنْ رَحِمَهُ إلى من لا يرحمه، ويتظلم ممن لا يظلمه، ويدعو من يعاديه ويظلمه.
ألا ما أجهل الإنسان بربه .. وما أظلمه لنفسه ولغيره.
إنْ أنعم الله عليه بالصحة والعافية، والمال والجاه، استعان بنعمه على معاصيه، وإن سلبه ذلك ظل ساخطاً على ربه وهو شاكيه، لا يصلح له على عافية ولا على ابتلاء.
العافية والمال تلقيه إلى مساخطه، والبلاء يدفعه إلى كفرانه وجحود نعمته، وشكايته إلى خلقه.
عجيب أمر هذا الإنسان؟ .. وغريب منه الإعراض والكفران؟.
دعاه الله إلى بابه فما وقف عليه، ثم فتح له فما عرج عليه، أرسل إليه رسوله يدعوه إلى دار كرامته فعصاه، وقال: لا أبيع ناجزاً بغائب، ولا أترك ما أراه لشيء سمعت به.
ومع هذا الجحود والإعراض لم يؤيسه من رحمته، بل قال: متى جئتني قبلتك، ومتى استغفرتني غفرت لك، رحمتي سبقت غضبي، وعفوي سبق عقوبتي: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)} [الأعراف: ١٥٦].
إن الإنسان بالعلم والإيمان تحصل له الطمأنينة والسكينة، والانقياد والتسليم، وطاعة الله ورسوله.
وبسبب الجهل والكفر تحصل له الوحشة والاضطراب، والرياء والاستكبار، ومعصية الله ورسوله، والاعتراض على أسماء الله وصفاته، والاعتراض على شرعه وقدره.
وقلَّ من يسلم من هذا، فكل نفس بسبب الجهل معترضة على قدر الله وقسمه وأفعاله إلا نفساً اطمأنت إليه، وعرفته حق المعرفة، فأناخت ببابه.