لقد كان الكفار في مكة، وما زالوا في كل مكان وزمان يتخذون الأوثان والأصنام لينالوا بها النصر، بينما كانوا هم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة أن يعتدي عليها معتد، أو يصيبها بسوء، فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥)} [يس: ٧٤، ٧٥].
فأي سخف وأي جهل انحدر إليه البشر فوق هذا؟
وأعظم ما يلهي الناس عن الله والدار الآخرة هو طلب التكاثر في الأموال والأولاد، والتمرغ في الشهوات، والتفاخر بذلك كما قال سبحانه: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)} [التكاثر: ١، ٢].
والتكاثر والتفاخر في كل شيء، فكل من شغله وألهاه التكاثر بأمر من الأمور عن الله والدار الآخرة فهو داخل في حكم هذه الآية.
فمن الناس من يلهيه التكاثر بالمال .. ومن الناس من يلهيه التكاثر بالأولاد .. ومنهم من يلهيه التكاثر بالعلم أو بالجاه، فيجمعه تكاثراً وتفاخراً.
ومن جمع العلم تكاثراً وتفاخراً فهو أسوأ حالاً عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه، فإنه جعل أسباب الآخرة للدنيا، وصاحب المال والجاه استعمل أسباب الدنيا لها، وكاثر بأسبابها.
والنعيم التام: هو في الدين الحق علماً وعملاً، فأهله هم أصحاب النعيم الكامل، والشقاء التام: هو في الباطل علماً وعملاً، وأهله هم أصحاب الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)} [الانفطار: ١٣، ١٤].
ولكن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيراً من أهل الإيمان في الدنيا من المصائب .. وما ينال كثيراً من الكفار والفجار والظلمة في الدنيا من الرياسة والأموال وغيرها.