فيعتقد لجهله أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار، وأن المؤمنين حظهم من النعيم في الدنيا قليل.
وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة في الدنيا قد تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين، فإذا سمع في القرآن: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)} [المنافقون: ٨].
ونحو هذه الآيات، حمل ذلك على أن حصوله في الدار الآخرة فقط، وقال: أما الدنيا فإننا نرى الكفار والمنافقين يغلبون فيها ويظهرون، والقرآن لا يرد بخلاف الحس.
ويعتمد على هذا الظن، إذا أديل عليه عدو من جنس الكفار والمنافقين، أو الفجرة الظالمين، وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى، ويرى صاحب الباطل قد علا على صاحب الحق.
فإذا ذكر بما وعده الله تعالى من حسن العاقبة للمتقين والمؤمنين، قال هذا في الآخرة.
وإذا قيل له كيف يفعل الله تعالى هذا بأوليائه وأحبائه وأهل الحق؟.
فإن كان ممن لا يعلل أفعال الله بالحكم والمصالح قال: يفعل الله في ملكه ما يشاء، ويحكم ما يريد: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣].
وإن كان ممن يعلل الأفعال قال: فعل بهم هذا ليعرضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة، وعلو الدرجات، وتوفية الأجر بغير حساب.
ولكل أحد مع نفسه في هذا المقام مباحث وأجوبة بحسب حاصله وبضاعته، من المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وحكمته، والجهل بذلك.
والقلوب تغلي كالقدور بما فيها من حلو ومر، وطيب وخبيث، وحق وباطل.
وكثير من الناس لجهله يصدر منهم من التظلم للرب تعالى واتهامه، ما لا يصدر إلا من عدو، ويظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.