أحدهما: حسن ظن العبد بنفسه وبدينه، واعتقاده أنه قائم بما يجب لله عليه، واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك، وأن نفسه أولى بالله ورسوله ودينه منه.
الثاني: اعتقاده أن الله سبحانه قد لا يؤيد صاحب الدين الحق وينصره، وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا، بل يعيش عمره مظلوماً مقهوراً، مع قيامه بما أمره الله به ظاهراً وباطناً.
فهو عند نفسه قائم بحقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وهو تحت أهل الظلم والفجور والعدوان.
فلله كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل .. ومتدين لا بصيرة له .. ومنتسب إلى العلم لا معرفة له؟.
ومعلوم أن العبد وإن آمن بالآخرة، فإنه طالب في الدنيا لما لا بدَّ له منه، من جلب نفع، ودفع ضر، بهما قوام معيشته.
فإذا اعتقد أن الدين الحق، واتباع الهدى، والاستقامة على التوحيد، ومتابعة السنة، ينافي ذلك، وأنه يعادي جميع أهل الأرض، ويتعرض لما لا يقدر عليه من البلاء، لزم من ذلك إعراضه عن الرغبة في كمال دينه وتجرده لله ورسوله.
فيعرض قلبه عن حال السابقين المقربين .. بل قد يدخل مع الظالمين .. بل مع المنافقين.
وذلك أنه إذا اعتقد أن الدين الكامل لا يحصل إلا بفساد دنياه، من حصول ضرر لا يحتمله، وفوات منفعة لا بدَّ له منها، لم يقدم على احتمال هذا الضرر، ولا تفويت تلك المنفعة.
فسبحان الله كم صدَّت هذه الفتنة الكثير من الخلق عن القيام بحقيقة الدين؟
وأصل ذلك ناشئ من جهله بحقيقة الدين، وجهله بحقيقة النعيم، الذي هو غاية مطلوب النفوس وكمالها، وبه ابتهاجها والتذاذها.