فيتولد من بين هذين الجهلين إعراضه عن القيام بحقيقة الدين، وعن طلب حقيقة النعيم.
وكمال العبد أن يكون عارفاً بالنعيم الذي يطلبه، وبالعمل الذي يوصله إليه، مع إرادة جازمة لذلك العمل، ومحبة صادقة لذلك النعيم.
والعبد إذا اعتقد أنه قائم بالدين الحق ظاهراً وباطناً، فهذا من جهله بالدين الحق، وما لله عليه، وما هو المراد منه.
فهو جاهل بحق الله عليه، جاهل بما معه من الدين قدراً ونوعاً وصفة.
وإذا اعتقد أن صاحب الحق لا ينصره الله تعالى في الدنيا والآخرة، بل قد تكون العاقبة في الدنيا للكفار والمنافقين على المؤمنين.
فهذا من جهله بوعد الله ووعيده، وما أعده الله لأهل طاعته، وما أعده لأهل معصيته.
فأما المقام الأول، فإن العبد كثيراً ما يترك واجبات لا يعلم بها، فيكون مقصراً في العلم، وكثيراً ما يتركها بعد العلم بها وبوجوبها، إما كسلاً وإما تهاوناً، وإما لنوع تأويل باطل أو تقليد، أو لظنه أنه مشتغل بما هو أوجب منها، أو لغير ذلك من الأسباب.
فواجبات القلوب أشد وجوباً من واجبات الأبدان، وآكد منها، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات.
فترى بعض الناس يتحرج من ترك فرض أو واجب من واجبات البدن، وقد ترك ما هو أهم من واجبات القلوب وأفرضها من التقوى والتوكل، والخشية والإنابة، والخوف والرجاء، ونحو ذلك.
ويتحرج من فعل أدنى المحرمات الظاهرة، وقد ارتكب من محرمات القلوب كالنفاق والرياء، والحسد والكيد، ونحو ذلك مما هو أشد تحريماً، وأعظم إثماً.
بل ما أكثر من يتعبد لله بترك ما أوجب الله عليه، فيتخلى وينقطع عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع قدرته عليه، ويزعم أنه متقرب إلى الله بذلك