الرضا، فمعولهم على الصبر والاحتساب، وذلك يخفف عنهم ثقل البلاء ومؤنته.
فإنهم كلما شاهدوا العوض، هان عليهم تحمل المشاق، بخلاف الكفار فلا رضا عندهم ولا احتساب:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}[النساء: ١٠٤].
والمحبة كلما تمكنت في القلب ورسخت فيه، كان أذى المحب في رضا محبوبه مستحلى غير مسخوط، فما الظن بمحبة المحبوب الأعلى الذي ابتلاؤه لحبيبه رحمة منه له، وإحسان إليه، ورفعة له.
وما يصيب الكافر والفاجر والمنافق من العزِّ والنصر والجاه دون ما يحصل للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذل وهوان، وأبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجر، وعلو المنزلة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه مسلم (١).
وأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة.
وما يصيب المؤمن في هذه الدار من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه في بعض الأحيان، أمر لازم لا بدَّ منه، وهو كالحر الشديد، والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم.
فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار، حتى للأطفال والبهائم، لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين.