للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجاسة الشرك عينية كالبول والغائط، بل هي أنجس منهما.

فأنجس النجاسة الشرك، كما أنه أظلم الظلم.

والأعيان النجسة إما أن تؤذي البدن، أو القلب، أو تؤذيهما معاً، والنجس قد يؤذي برائحته، وقد يؤذي بملابسته، وإن لم تكن له رائحة كريهة.

والنجاسة تارة تكون محسوسة ظاهرة، وتارة تكون معنوية باطنة، فيغلب على القلب والروح الخبث والنجاسة.

حتى إن صاحب القلب الحي ليشم من تلك الروح والقلب رائحة خبيثة يتأذى بها كما يتأذى من يشم رائحة النتن، ويظهر ذلك كثيراً في عرقه.

ولهذا كان الرجل الصالح طيب العرق، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطيب الناس عرقاً.

وإذا خرجت النفس الطيبة من البدن، وجد لها كأطيب نفحة مسك وجدت على ظهر الأرض، وإذا خرجت النفس الخبيثة من البدن وجد لها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض.

فالشرك أقبح القبائح، وأنجس النجاسات، لأنه هضم لحق الرب، وتنقيص لعظمته، وسوء ظن به كما قال سبحانه: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٦)} [الفتح: ٦].

فلم يجمع الله عزَّ وجلَّ على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الإشراك، فإنهم ظنوا بالله ظن السوء، وما قدروا الله حق قدره، إذ سووا به غيره كما قال الله عن المشركين أنهم يقولون لآلهتهم في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)} [الشعراء: ٩٧، ٩٨].

ومعلوم أنهم ما سووهم بالله في الذات والصفات والأفعال، ولا قالوا إن آلهتهم خلقت السموات والأرض، ولا أنها تحيي وتميت.

وإنما سووها به في محبتهم لها، وتعظيمهم إياها، وعبادتهم لها.

فما قدر الله حق قدره من جعل له عدلاً ونداً وشريكاً يحبه كحب الله، ويخافه

<<  <  ج: ص:  >  >>