ويرجوه، ويذل له، ويخضع له، ويهرب من سخطه، ويؤثر مرضاته، وهذا هو الضلال البعيد، والافتراء العظيم، والظلم الكبير. {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧)} [الصافات: ٨٦، ٨٧].
فما ظننتم به من السوء حتى عبدتم معه غيره؟
فإن المشرك إما أن يظن أن الله عزَّ وجلَّ يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه من وزير أو ظهير أو عون.
وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته.
وإما أن يظن أنه تعالى إنما تتم قدرته بقدرة الشريك، وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة، أولا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم، أو لا يكفي عبده وحده، أولا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة كما يشفع المخلوق عند المخلوق، فيقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع وانتفاعه به.
أولا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه كما هو حال ملوك الأرض، وهذا أصل شرك الخلق.
أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم حتى يرفع الوسائط إليه ذلك، أو يظن أن للمخلوق عليه حقاً فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه، ويتوسل إليه به كما يتوسل الناس إلى الملوك والأكابر يمن يعز عليهم، ولا يمكنهم مخالفته.
وكل هذا تنقص للرَّب، وهضم لحق الإله، ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله وخوفه ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه من قلب المشرك، وذلك بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به، فينقص ويضعف ذلك التعظيم والخوف والرجاء والمحبة بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه لكفى في شناعته.
فالشرك كله تنقص لرب العالمين شاء المشرك أم أبى.
ولهذا اقتضى حمده سبحانه وكمال ربوبيته أن لا يغفره، وأن يخلد صاحبه في