فلا تجد مشركاً قط إلا وهو متنقص لله سبحانه وإن زعم أنه يعظمه بذلك الشرك.
كما أنك لا تجد مبتدعاً إلا وهو متنقص للرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة، فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى، أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلاً، وإن كان مستبصراً في بدعته فهو مشاق لله ورسوله.
ولهذا جعل الله البدعة قرينة الشرك في كتابه كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)} [الأعراف: ٣٣].
وأما نجاسة الذنوب والمعاصي فإنها لا تستلزم تنقيص الربوبية، ولا سوء الظن بالله عزَّ وجلَّ، ولهذا لم يرتب الله سبحانه عليها من العقوبات والأحكام ما رتبه على الشرك.
واستقرت الشريعة على أنه يعفى عن النجاسة المخففة كبول الصبي الرضيع، والنجاسة في محل الاستجمار ما لا يعفى عن المغلظة.
وكذلك يعفى عن صغائر الذنوب ما لا يعفى عن الكبائر، ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك.
فلو لقي المسلم الموحد الذي لم يشرك بالله شيئاً البتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه ربه بقرابها مغفرة.
ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده وشابه بالشرك، فالتوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، فإنه يتضمن من محبة الله وتعظيمه وإجلاله، وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع لها قوي فلا تثبت معه.
ولكن نجاسة الزنا وفاحشة قوم لوط أغلظ من غيرهما من النجاسات من جهة أنها تضعف القلب وتفسده وتضعف توحيده جداً.