فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصاً كان منها أبعد كما قال الله تعالى عن يوسف: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)} [يوسف: ٢٤].
وليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تعبيد القلب لغير الله، فإنهما من أعظم الخبائث، وكلما ازداد القلب خبثاً ازداد من الله بعداً.
ولما كانت هذه حال الزنا كان قريناً للشرك في كتاب الله كما قال سبحانه: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)} [النور: ٣].
والله سبحانه سمى الزناة والزواني خبيثين وخبيثات، وجنس هذا الفعل فد شرعت فيه الطهارة وإن كان حلالاً، وسمى فاعله جنباً لبعده عن الصلاة حتى يتطهر بالماء.
فكذلك إذا كان حراماً يبعد القلب عن الله تعالى وعن الدار الآخرة، بل يحول بينه وبين الإيمان حتى يحدث طهراً كاملاً بالتوبة، وطهراً لبدنه بالماء.
فالعاصي إنما ينقم على أهل الطاعة تجريدهم الطاعة وتركهم المعصية كما حكى الله عن قوم لوط قولهم: {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢)} [الأعراف: ٨٢].
وهكذا كل مشرك إنما ينقم على الموحد تجريده للتوحيد، وأنه لا يشوبه بالشرك.
وهكذا المبتدع إنما ينقم على صاحب السنة تجريده متابعة الرسول، وأنه لم يشبها بما يخالفها: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (٥٩)} [المائدة: ٥٩].