للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقبور، والطواف عليها، وتقبيلها واستلامها ونحو ذلك.

والشرك بالله في الإرادات والنيات بحر لا ساحل له، وقلّ من يسلم منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله، أو نوى شيئاً غير التقرب إليه، وطلب الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته، وهذا حال أكثر الخلق كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف: ١٠٦].

فالسجود والعبادة، والتوكل والإنابة، والخوف والرجاء، والمحبة والطاعة والتوبة والدعاء، كله محض حق الله تعالى الذي لا يصلح ولا ينبغي لسواه: من ملك مقرب أو نبي مرسل فضلاً عن غيرهم: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)} [الكهف: ١١٠].

وحقيقة الشرك: هو التشبه بالخالق، والتشبيه للمخلوق به، فالمشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية من التفرد بملك النفع والضر، والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل بالله وحده.

فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، فضلاً أن يملكها لغيره، شبيهاً لمن له الخلق والأمر كله، وبيده كل شيء، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.

وهذا من أقبح التشبيه، حيث شبه العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات.

ومن خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له، والتعظيم والإجلال كله له، والخوف والخشية والرجاء كله له، والدعاء والمحبة والطاعة كلها له سبحانه.

فمن جعل شيئاً من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا ندَّ له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله.

ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم فإن الله لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>