والله عزَّ وجلَّ لا يرجو أحداً ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد، بل هو الغني سبحانه، وهو رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل شيء إنما يكون بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الملك وكل ما سواه عبيد: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)} [يونس: ١٨].
وقال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)} [مريم: ٩٣].
والمشرك إنما يتخذ معبوداً من دون الله لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من أربع:
إما مالك لما يريده عابده منه .. فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك .. فإن لم يكن شريكاً له كان معيناً له وظهيراً .. فإن لم يكن معيناً ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده كما قال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٢، ٢٣].
فما أعجب حال المشرك، لقد استكبر عن الانقياد للرسل بزعمه أنهم بشر، ورضي أن يعبد ويدعو الشجر والحجر، واستكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان، ورضي بعبادة من ضره أقرب من نفعه من الأصنام، طاعة لأعدى أعدائه الشيطان: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)} [الأحقاف: ٥، ٦].
ومن السفاهة والحماقة أن يتخذ الناس آلهة من دون الله، يعبدونها ويحبونها، ويرجونها ويخافونها، ويتقربون إليها، وهي غافلة عنهم لا تسمع ولا تعقل.