فمنهم من يعبد الملائكة .. ومنهم من يعبد الجن .. ومنهم من يعبد الشمس والقمر .. ومنهم من يعبد الأصنام المختلفة .. وكل يعمل على شاكلته.
وكان أقل عقائدهم انحرافاً من يقولون عن هذه الآلهة: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣].
ومن العجيب حقاً أننا لو عرضنا على أحد المسلمين صنماً من الذهب، وقلنا هذا يأتي بالرزق والأولاد؟
لقال: أعوذ بالله هذا شرك.
فإذا حولناه إلى نقود ذهبية وجئنا به إليه، قال هذا المسلم: احفظوه، فإنه قاضي الحاجات، المغني عن الناس، فارج الكربات، ومغيث اللهفات.
فبلسانه يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وبيده يمسك النقود الذهبية، كما يمسك الغريق بحبل النجاة.
وبقلبه يتعلق بها ويرى فيها قضاء حاجاته من دون الله.
وهذا هو الشرك الخفي الذي يقول الله عنه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف: ١٠٦].
إن أي فكرة وأي عقيدة وأي شخصية .. إنما تحيا وتعمل وتؤثر بمقدار ما تحمل من قوة كامنة وسلطان قاهر .. وهذه القوة تتوقف على مقدار ما فيها من الحق الذي أمر الله به.
وعندئذ يمنحها الله القوة والسلطان المؤثرين في هذا الوجود، وإلا فهي زائفة باطلة ضعيفة واهية مهما بدا فيها من قوة وانتفاش.
والمشركون في أنحاء الأرض يشركون مع الله آلهة أخرى في صور شتى.
ويقوم الشرك ابتداءً على إعطاء غير الله سبحانه شيئاً من خصائص الإلهية ومظاهرها، ظلماً وعدواناً.
وفي مقدمة ذلك حق التشريع للعباد في شئون حياتهم كلها.
وحق الاستعلاء على العباد، وإلزامهم بالطاعة لتلك التشريعات.