ثم تأتي مسألة تشريع العبادات الشعائرية للبشر، وكل ذلك ظلم للعباد.
فإن الله الواحد خلق هذا الكون لينتسب إلى خالقه الواحد.
وخلق هذه الخلائق لتقر له بالعبودية وحده لا شريك له.
ولتتلقى منه الشريعة والأخلاق والآداب بلا منازع.
ولتعبده وحده بلا أنداد.
فكل ما خرج عن قاعدة التوحيد في معناها الشامل فهو زائف باطل مناقض للحق، ومن ثم فهو واهٍ هزيل، لا يحمل قوة ولا سلطاناً، ولا يملك أن يؤثر في مجرى الحياة، وكيف يؤثر وهو لا يملك عناصر الحياة ولا حق الحياة؟.
وما دام المشركون يشركون بالله ما لم ينزل به سلطاناً، فهم يرتكنون إلى ضعف وخواء، وهم أبداً في رعب وخواء: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١)} [آل عمران: ١٥١].
وفطرة الله التي فطر الناس عليها تعرف ربها، وتلجأ إلى إلهها الحق في ساعة الشدة.
فالهول والكرب الذي ترتعد له الفرائص ليس مؤجلاً دائماً إلى يوم القيامة، فالناس في الدنيا يصادفون ويواجهون الهول والكرب في ظلمات البر والبحر، فلا يتوجهون عند الكرب إلا إلى الله، ولا ينجيهم من الكرب إلا الله، ولكنهم يعودون إلى ما كانوا فيه من الشرك عند اليسر والرخاء: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)} [الأنعام: ٦٣، ٦٤].
إن الفطرة عند الشدائد تلفظ كل شيء من دون الله، وتطرح كل شيء، وتتعرى من كل شيء، وتتوجه إلى بارئها وفاطرها، وتتجه إلى الإله الحق بلا شريك، ولا تلتفت لشيء سواه.
لأنها تدرك حينئذ سخافة فكرة الشرك، وتدرك انعدام الشريك.