فلا بدَّ لصاحب الدعوة إلى الله أن يستهين بهذه الأسناد والأصنام، وأن يتجرد منها، فهي في ذاتها واهية واهنة، مهما بدت قوية قادرة.
وحتى لو قدرت على أذاه، فإنما تقدر على أذاه بإذن ربه، فليواجههم بقوة مولاه، وليتوكل على الله: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦)} [الأعراف: ١٩٦].
إن صاحب الدعوة إلى الله في كل زمان ومكان، لن يبلغ شيئاً إلا بمثل هذه الثقة، وإلا بمثل هذه العزيمة، وإلا بمثل هذا اليقين: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦)} [الحجر: ٩٤ - ٩٦].
ولقد كان مشركو العرب يعرفون أن الله هو خالق هذا الكون، فإن معرفتهم بالله لم تكن قليلة ولا سطحية ولا غامضة كما يظنه بعض الناس.
ولم يكن شرك العرب متمثلاً في إنكار الله سبحانه، ولا في عدم معرفتهم الحقيقة كما قال الله عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)} [الزمر: ٣٨].
إنما كان أكثر شركهم يتمثل في عدم إخلاصهم العبودية لله، وذلك بتلقي منهج حياتهم وشرائعهم من غيره، وهو ما لم يكن متفقاً مع إقرارهم بألوهية الله ومعرفتهم له.
فأما الأصنام التي كانوا يعبدونها، فما كان ذلك قط لاعتقادهم بألوهيتها كألوهية الله سبحانه.