للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما اتخذوا الشعائر والعبادة لها، لتكون مجرد شفعاء عند الله كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣].

فلا يكفي للمسلم الاعتقاد وأداء الشعائر لله وحده فقط .. بل لا بدَّ مع ذلك من إقامة الحياة كلها على منهج الله .. وتحقيق التوحيد في شعب الحياة كلها .. ورفض العبودية لغير الله في كل عمل كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)} [الأنعام: ١٦٢، ١٦٣].

وأهل الكتاب بعدما حرفوا كتابهم، وبدلوا شرائعه، هم كفار مشركون كما قال الله عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١].

والأحبار: جمع حبر، وهو العالم من أهل الكتاب، وكثر إطلاقه على علماء اليهود.

والرهبان: جمع راهب، وهو عند النصارى المتبتل المنقطع للعبادة، وهو عادة لا يتزوج، ولا يزاول الكسب.

واليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً بمعنى الاعتقاد بألوهيتهم، أو تقديم الشعائر التعبدية إليهم، ومع هذا فقد حكم الله عليهم بالشرك والكفر، لمجرد أنهم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها.

وهذا وحده يكفي لاعتبار من يفعله مشركاً بالله.

والآية الكريمة تسوي في الوصف بالشرك بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوهم واتبعوهم، وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقاداً، وقدموا إليه الشعائر في العبادة.

فهذه كتلك في اعتبار فاعلها مشركاً بالله، الشرك الذي يخرجه من الإيمان إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>