هل من شركائكم الذين أشركتموهم مع الله من ينزل كتاباً، ويرسل رسولاً؟
وهل فيهم من يضع نظاماً، ويشرع شريعة، وينذر ويوجه إلى الخير، ويكشف عن آيات الله في الكون والنفس، ويوقظ القلوب الغافلة، ويحرك المدارك المعطلة، كما هو معهود لكم من الله، ومن رسوله الذي جاءكم بهذا كله، وعرضه عليكم لتهتدوا إلى الحق؟.
ولوضوح الحجة قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الله يهدي للحق، ومن هنا تنشأ قضية جوابها مقرر: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)} [يونس: ٣٥].
فالذي يهدي الناس إلى الحق أولى بالإتباع ممن لا يهتدي هو بنفسه إلا أن يهديه غيره، وهذا ينطبق على كل معبود من دون الله سواء كان حجراً أو شجراً أو كوكباً، أو كانوا من البشر بما في ذلك عيسى بن مريم عليه السلام، فهو ببشريته محتاج إلى هداية الله له، وإن كان هو قد بُعث هادياً للناس، فغيره من باب أولى.
فما أعجب حال أكثر البشر، كيف يحيدون عن الحق الواضح المبين، ويتعلقون بأوهام وظنون لا تغني من الحق شيئاً: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٣٦)} [يونس: ٣٦].
وعجيب أمر هؤلاء الكفار إنهم يقرون أن الله خالق السموات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، ولكنهم مع هذا يعبدون الأصنام أو الجن أو الملائكة، ويجعلونهم شركاء لله في العبادة، وإن لم يجعلوهم شركاء في الخلق، وهو تناقض عجيب.
فأنى يؤفكون عن الحق إلى هذا التخليط العجيب؟
وعجيبة أخرى تقع منهم، وفيها التناقض والاضطراب: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)} [العنكبوت: ٦٥].