فإذا كفروا مع هذه المعرفة والعلم، كانوا أغلظ كفراً، وأخبث قلوباً: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣)} [المنافقون: ٣].
وجماعة المنافقين اندسوا في صفوف المسلمين باسم الإسلام بعد أن غلب وظهر وعلا أمره.
فرأى هؤلاء أن حب السلامة، وحب الكسب يقتضيان أن يحنوا رؤوسهم للإسلام، وأن يكيدوا له داخل الصفوف سرا، بعد أن عز عليهم أن يكيدوا له خارج الصفوف علانية.
وهؤلاء المنافقون إذا دعوا إلى الجهاد والبذل تخلفوا عن الركب، ونكصوا عن البذل، ومالوا إلى عرض تافه، أو مطلب رخيص في كل زمان، وفي كل مكان: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٤٢)} [التوبة: ٤٢].
إن هؤلاء المنافقين يعيشون على هامش الحياة، وإن خيل إليهم أنهم بلغوا منافع، ونالوا مطالب، واجتنبوا أداء الثمن الغالي.
يهلكون أنفسهم بهذا الحلف، وبهذا الكذب، وما يكذب إلا الضعفاء الأقزام.
ويخيل إليهم أن الحلف والكذب على الناس سبيل النجاة.
والله يعلم الحق، ويكشفه للناس، ويهلك الكاذب في الدنيا والآخرة.
ألا ما أخطر المنافقين على المسلمين، خاصة في ميدان الجهاد، فالنفوس الخائنة خطر على الجيوش المتماسكة: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧)} [التوبة: ٤٧].
إن القلوب الحائرة تبث الخدر والضعف في الصفوف، ولو خرج المنافقون ما زادوا المسلمين قوة بخروجهم، بل لزادوهم اضطراباً وفوضىً، ولأسرعوا بينهم بالوقيعة والفتنة، والفرقة والتخذيل، وفي المسلمين من يسمع لهم.