فكيف لهؤلاء بالفلاح والهدى بعد ما أصيبوا في عقولهم ودينهم؟.
وأنى لهم التخلص من الضلال والردى وقد اشتروا الكفر بالإيمان؟.
{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (٦٢)} [النساء: ٦٢].
وقد أقسم الله عزَّ وجلَّ محذراً لأوليائه، ومنبهاً على حال هؤلاء بقوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥].
تسبق يمين أحدهم كلامه، لعلمه أن قلوب أهل الإيمان لا تطمئن إليه، فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢)} [المنافقون: ٢].
برزوا إلى البيداء مع ركب الإيمان، فلما رأوا طول الطريق، وبعد الشقة، نكصوا على أعقابهم ورجعوا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣)} [المنافقون: ٣].
أحسن الناس أجساماً، وأخلبهم لساناً، وألطفهم بياناً، وأخبثهم قلوباً.
فهم كالخشب المسندة، التي لا ثمر لها ولا ينتفع بها: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)} [المنافقون: ٤].
يؤخرون الصلاة عن وقتها، ولا يشهدون الجماعة إلا قليلاً: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)} [النساء: ١٤٢].
تلك معاملتهم للخالق، أما معاملتهم للخلق فكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه (١).
يحلفون كذباً إنهم منكم وما هم منكم: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٣) واللفظ له، ومسلم برقم (٥٩).