إنما الدنيا سوق واحد خرج الناس منها بما يضرهم أو ينفعهم، وخير المكاسب الطاعات، وشر المكاسب المعاصي، والناس في ذلك راتعون.
والله عزَّ وجلَّ أرسل إلى الأمم السابقة أنبياء ابتعثهم إلى قومهم خاصة، فكان منهم المؤمن والكافر.
ثم إنه سبحانه بعث نبيه المصطفى المختار من جميع ولد آدم محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وأرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن.
فختم به الرسل .. ونسخ بملته جميع الملل .. وأرسله إلى خير الأمم .. وهي هذه الأمة .. بأحسن الشرائع وهي الإسلام .. وأنزل عليه أحسن الكتب .. بأحسن اللغات وهي العربية.
وخصه سبحانه بهذا الدين الكامل .. والنعمة التامة .. واصطفاه على جميع الأنبياء والرسل .. فهو سيد الأولين والآخرين .. واتخذه خليلاً ورسولاً .. فلا نبي بعده .. ولا شريعة بعد شريعته إلى يوم القيامة.
ولما كانت الدنيا ليست بدار قرار، ولكنها دار ابتلاء واختبار، ومجاز إلى دار الخلود، وتبين أنه لا فائدة في الدنيا إلا بالإيمان بالله، والعلم بما أمر الله ورسوله به، والعمل به، وتعليمه الناس في مشارق الأرض ومغاربها، ودعوة الخلق إليه، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.
لذا فكل ما يتنافس فيه الناس من أمور الدنيا، وملاحقة الشهوات، واتباع الأهواء، وعبادة المال، كله غرور وباطل، يعرِّض العبد للعقوبة والألم، ويملأ قلبه بالوحشة والحسرة في الدنيا والآخرة.
وأكثر ما يطالعه الناس سوى القرآن والسنة، وكلام سلف الأمة، من المكتوب والمسموع والمرئي، أكثره لغو وغثاء، وشغل للأوقات بما لايفيد، وليس فيه إلا تضييع الزمان، وتشتيت الأذهان، وجلب العداوة بين الإخوان، ومزاحمة كلام الرحمن، وسنة سيد الأنام، وعمارة الدنيا، والزهد في أعمال الآخرة، ونقل عوام المسلمين من اليقين والرغبة في العمل الصالح، إلى الشك والحيرة