والمطلوب جهد الصنف الأول على الصنف الثاني، ليأتي عندهم مع الصلاح الإصلاح .. وعلى الصنف الثالث بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترغيب والترهيب .. ليغيروا حياتهم من الاقتداء بالكفار، إلى الاقتداء بالأنبياء والصحابة في الدعوة والعبادة والاستقامة، وعلى الصنف الرابع بالدعوة إلى الله، وعرض الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة لعلهم يهتدون.
والله عزَّ وجلَّ هو العزيز الحكيم الذي يأمر بالعدل والإحسان، عم بعدله عموم عباده، وخص من شاء منهم بفضله وإحسانه.
ولو أن ملكاً أرسل إلى أهل بلد من بلاده رسولاً، وكتب معه كتاباً يعلمهم فيه أن العدو مصبحهم عن قريب، ومخرب البلد، ومهلك من فيها، وأرسل إليهم أموالاً ومراكب وزاداً وعدة وأدلة، وقال: ارتحلوا مع هؤلاء الأدلة لتنجوا.
ثم قال لجماعة من مماليكه اذهبوا إلى فلان فخذوا بيده، واحملوه ولا تذروه يقعد، واذهبوا إلى فلان وفلان كذلك، وذروا من عداهم فإنهم لا يصلحون أن يساكنوني في بلدي، فذهب خواص الملك إلى من أمروا بحملهم، فحملوهم إلى الملك، واجتاح العدو من بقى في المدينة، وقتلهم وأسر من أسر، فلا يعد الملك ظالماً لهؤلاء؟
بل هو عادل فيهم، لأنه حذرهم، وبين لهم سبيل النجاة.
نعم خص أولئك بإحسانه وعنايته وحرمها من عداهم، إذ لا يجب عليه التسوية بينهم في فضله وإكرامه بل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)} [الحديد: ٢١].
والله تبارك وتعالى هو الذي جعل في قلوب عباده المؤمنين محبته والإيمان به، وألقى في قلوبهم كراهة ضده من الكفر والفسوق والعصيان، وذلك محض فضله ومنته عليهم، حيث لم يكلهم إلى أنفسهم؟
بل تولى سبحانه هذا التحبيب والتزيين وتكريه ضده، فجاد عليهم به فضلاً منه ونعمة.