وحملها الإنسان الذي يعرف الله بإدراكه وشعوره، ويهتدي إلى بارئه بتدبره وبصره، ويطيع الله بإرادته وحمله لنفسه، ومقاومة انحرافاته ونزغاته، ومجاهدة ميوله وشهواته كما قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب: ٧٢].
حقاً إنها أمانة عظيمة حملها هذا المخلوق الصغير الحجم، القليل القوة، الضعيف الحول، المحدود العمر، الظلوم الجهول، الكفور العجول، الذي تحيط به المغريات، وتناوشه الشهوات، وتستبد به النزغات والميول والأطماع، وإنها لتبعة ثقيلة جسيمة.
وبسبب ظلمه لنفسه .. وجهله بطاقته .. زج نفسه لحملها.
وإنه لمقام عال كريم حين ينهض الإنسان بالتبعة، ويصل إلى معرفة بارئه، والاهتداء المباشر إلى ربه، والطاعة الكاملة لإرادة ربه، كالمخلوقات الأخرى، التي تعرف ربها مباشرة، وتهتدي مباشرة، وتطيع مباشرة، ولا يحول بينها وبين بارئها حائل، ولا تقعد بها المثبطات عن الانقياد والطاعة والأداء.
إن الإنسان حين يصل إلى هذه الدرجة، وهو واع مدرك مريد، فإنه يصل حقاً إلى مقام كريم، ومكان بين خلق الله فريد.
إن الإرادة، والإدراك، والمحاولة، وحمل التبعة، هي ميزة هذا الإنسان على كثير من خلق الله في السماء والأرض.
وهي مناط التكريم، الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى، وهوأمر الملائكة بالسجود لآدم، وأكرم بذلك ذريته من بعده.
فليعرف الإنسان مناط تكريمه عند الله، ولينهض بالأمانة التي اختارها، والتي عرضت على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان.
واختصاص الإنسان بحمل الأمانة، وأخذه على عاتقه أن يعرف بنفسه، ويهتدي