وفرعون ومن قبله من المكذبين أخذهم الله بالنقمة الرابية الغامرة الطامرة.
إنها تذكرة تلمس القلوب الخامدة، والآذان البليدة، التي تكذب بعد كل ما سبق من النذر، وكل ما سبق من المصائر، وكل ما سبق من الآيات، وكل ما سبق من العظات، وكل ما سبق من آلاء الله ونعمه على هؤلاء الغافلين.
وكل هذه المشاهد المروعة، الهائلة القاصمة الحاسمة، تبدو صغيرة ضئيلة إلى جانب الهول والموقف الأكبر، هول الحاقة والقارعة والصاخة والواقعة التي يكذب بها المجرمون، والتي ستقع بلا شك:
فإذا نفخ إسرافيل في الصور، قامت الخلائق لربها، ويتبع ذلك حركة هائلة للأرض والجبال، فترفع وتدك دكة واحدة، لتصبح أرضا مستوية.
إنه مشهد عظيم مروع، يشعر معه الإنسان بضآلته، وضآلة عالمه، إلى جانب هذه القدرة العظيمة، ولا يقتصر الهول على حمل الأرض والجبال ودكها دكة واحدة، فالسماء في هذا اليوم الهائل ليست بناجية: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (١٦)} [الحاقة: ١٦].
ويحشر الناس إلى ربهم، فيحاسب من قام بأداء الأمانة، ومن خان الأمانة فرداً فرداً، ونية وقولاً وعملاً، ويجازي كل إنسان بما عمل من خير وشر: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٤٧)} [الكهف: ٤٧].
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة كان يَعِدُ المؤمنين به، المبايعين له، وهم يبذلون الأموال والأنفس، ويضحون بالأوقات والشهوات، يعدهم بالجنة على الإيمان والعمل الصالح.
لقد كان القرآن ينشئ قلوباً يعدها لحمل الأمانة، واستقبال المكاره، هذه القلوب يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد، بحيث لا تتطلع وهي تبذل كل شيء، وتحتمل كل شيء، إلى أي شيء في هذه الأرض، ولا تنتظر إلا