للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرة، ولا ترجو إلا رضوان الله، والفوز بالجنة.

قلوب مؤمنة مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء، وحرمان وعذاب، وتضحية واحتمال، بلا جزاء في هذه الأرض قريب، ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة، وغلبة الإسلام، وظهور المسلمين.

حتى إذا وجدت هذه القلوب التي ذاقت حلاوة الإيمان .. وعرفت ما يجب عليها .. وعلمت أنه ليس أمامها في رحلة الأرض شيء إلا أن تعطي بلا مقابل .. وأن تنتظر الآخرة وحدها موعداً للجزاء .. وموعداً كذلك للفصل بين أهل الحق والباطل .. وعلم الله منها صدق نيتها على ما بايعت وعاهدت .. أتاها النصر في الأرض .. وائتمنها على الحق لا لنفسها فقط .. ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي .. وهي أهل لأداء الأمانة .. تعمل بالدين .. وتحكم بالدين في حياتها .. وتدعو البشرية إلى الدين.

فقد كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه، ولم تتطلع إلى شيء من المغنم في الأرض تعطاه.

وقد تجردت لله حقاً يوم كانت لا تعلم لها جزاءً إلا رضاه، والفوز بالجنة في الآخرة:

{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)} [التوبة: ٧٢].

وبعد أن استقرت هذه الحقيقة في نفوس المؤمنين، جاء نصر الله في المدينة بعد أن أصبح المؤمن لا يتطلع إليه، وإنما يتطلع إلى رضوان الله والجنة.

وجاء نصر الله ذاته، لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون لهذا المنهج ولهذا الدين واقعية في الحياة الإنسانية، تقرره في صورة عملية محددة، وتبرزه في منتهى الجمال والكمال، ويكون قدوة للبشرية كلها إلى يوم القيامة:

في الإيمان .. وفي العبادات .. وفي المعاملات .. وفي المعاشرات .. وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>