قيل: الله تبارك وتعالى خلق آدم وذريته على بنية وتركيب مستلزم لمخالطتهم لعدوهم وابتلائهم به.
ولو شاء الله خلقهم كالملائكة الذين هم عقول بلا شهوات، فلم يكن لعدوهم طريق إليهم، وبنو آدم ركبوا على العقل والشهوة.
ولما كانت محبة الله وحده هي غاية كمال العبد وسعادته التي لا كمال ولا سعادة له أصلا بدونها.
وكانت المحبة الصادقة إنما تتحقق بإيثار المحبوب على غيره من محبوبات النفس، واحتمال أعظم المشاق في طاعته ومرضاته.
اقتضت حكمة العزيز الحكيم إخراجهم إلى هذه الدار المحفوفة بالشهوات ومحاب النفوس من مطعوم ومشروب، وملبوس ومنكوح، ومركوب ومسموع، ومرئي، والتي بإيثار محبوب الحق عليها، والإعراض عنها يتحقق حبهم له، وايثارهم إياه على غيره.
وأيضا فإنه سبحانه له الحمد المطلق الكامل، وظهور الأسباب التي يحمد عليها، من مقتضى كونه محموداً، وهي من لوازم حمده تعالى، وهي نوعان:
فضل .. وعدل .. وهو سبحانه المحمود على هذا .. وعلى هذا.
فلا بدَّ من ظهور أسباب العدل، واقتضائها لمسبباتها، ليترتب عليها كمال الحمد الذي هو أهله.
فكما أنه سبحانه محمود على إحسانه وبره، وفضله وثوابه، فهو محمود على عدله وانتقامه وعقابه.
إذ مصدر ذلك كله عن عزته وحكمته ورحمته.
فما وضع نعمته ونجاته لرسله ولأتباعهم إلا في محلها اللائق بها.
وما وضع نقمته وإهلاكه لأعدائه إلا في محلها اللائق بها.
والله تبارك وتعالى لكمال حكمته فاوت بين عباده أعظم تفاوت وأبينه، فجعل فيهم الغني والفقير، والصحيح والسقيم، والمؤمن والكافر، وذلك ليشكره من