للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهرت عليه نعمته وفضله، ويعرف أنه قد حبي بالإنعام، وخص دون غيره بالإكرام.

ولو تساووا في النعمة والعافية لم يعرف صاحب النعمة قدرها.

فاقتضت حكمته خلق الأسباب التي يكون شكر الشاكرين عندها أعظم وأكمل.

والله عزَّ وجلَّ أحب شيء إليه من عبده تذلله بين يديه، وخضوعه وافتقاره، وانكساره وتضرعه إليه، وهذا لا يتم إلا بأسبابه التي يتوقف عليها، وحصول هذه الأسباب في دار النعيم المطلق والعافية الكاملة ممتنع، وهو مستلزم للجمع بين الضدين.

وأيضاً الله عزَّ وجلَّ له الخلق والأمر، والأمر هو شرعه ودينه الذي بعث به رسله، وأنزل به كتبه، وليست الجنة دار تكليف، وإنما هي دار نعيم ولذة.

فاقتضت حكمة الله عزَّ وجلَّ استخراج آدم وذريته إلى دار تجري عليهم فيها أحكام دينه وأمره، ليظهر فيهم مقتضى الأمر ولوازمه.

والله سبحانه يحب من عباده أموراً يتوقف حصولها منهم على حصول الأسباب المقتضية لها، ولا تحصل إلا في دار الابتلاء والامتحان.

فإنه سبحانه يحب الصابرين، ويحب المحسنين، ويحب الشاكرين، ويحب التوابين، وحصول هذه المحبوبات بدون أسبابها ممتنع.

فاقتضت حكمته ومحبته لذلك، خلق الأسباب المفضية إليه، ليترتب عليه المسبب الذي هو محبوب له.

وأيضا فإن الله سبحانه خلق آدم وذريته ليستخلفهم في الأرض، فأراد سبحانه أن ينقلهم من هذا الاستخلاف إلى توريثه جنة الخلد.

وعلم سبحانه أنه لضعفه وقصور نظره قد يختار العاجل الفاني الخسيس على الآجل الباقي النفيس.

فالإنسان خلق عجولاً، وخلق من عجل، وعلم سبحانه ما في طبيعته من

<<  <  ج: ص:  >  >>