فإذا هداه الله للإسلام، وجعل قلبه حياً بعد موته، ومشرقاً ومستنيراً بعد ظلمته، فصار يعرف مضار نفسه ومنافعها، ويعمل في خلاصها من سخط الله وعقابه، وأبصر الحق بعد عماه عنه، وعرفه بعد جهله به، واتبعه بعد إعراضه عنه، وحصل له نور يستضيء به، ويمشي به في الناس كما قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)} [الأنعام: ١٢٢].
وحياة القلب واستنارته تحصل بالاستجابة لله والرسول، وما يدعونا إليه الله والرسول من العلم والإيمان كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} [الأنفال: ٢٤].
وحياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركاً للحق .. مريداً له .. مؤثراً له على غيره .. فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.
والقلب فيه قوتان:
قوة العلم والتمييز .. وقوة الإرادة والمحبة.
وكمال القلب وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه.
فكمال استعمال قوة العلم في إدراك الحق ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة الإرادة والمحبة في طلب الحق ومحبته، وايثاره على الباطل.
فمن لم يعرف الحق فهو ضال .. ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه .. ومن عرفه واتبعه فهو منعم عليه.
فالمسلمون أخص بالحق؛ لأنهم عرفوه واتبعوه.
واليهود أخص بالغضب؛ لأنهم أمة عناد، عرفوا الحق فلم يتبعوه.
والنصارى أخص بالضلال؛ لأنهم أمة جهل، عرفوا الحق وضلوا عنه.
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بطلب الهداية إلى طريق الحق، وهو طريق المنعم عليهم بمعرفة الحق والعمل به بقوله سبحانه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ