وكل إنسان خاسر في هذه الحياة، إلا من كملت قوته العلمية بالإيمان بالله، وقوته العملية بالعمل بطاعة الله، فهذا كماله في نفسه.
ثم كمَّل غيره بوصيته له بذلك، وأمره إياه به، والصبر على ذلك، كما قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)} [العصر: ١ - ٣].
وهاتان القوتان لا تتعطلان في القلب.
بل إن استعمل العبد قوته العلمية في معرفة الحق وادراكه، وإلا استعملها في معرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل.
وكذا قوته الإرادية، إن استعملها في العمل بالحق، وإلا استعملها في ضده. ولا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره ومعبوده وحده لا شريك له.
فكل مخلوق، وكل حي، سوى الله سبحانه، من ملك أو إنس أو جن أو حيوان أو نبات فهو فقير إلى ربه في جلب ما ينفعه، ودفع ما يضره، ولا يتم ذلك إلا بتصوره للنافع والضار.
والمنفعة من جنس النعيم واللذة، والمضرة من جنس الألم والعذاب.
فلا بدَّ للعبد من أمرين:
أحدهما: معرفة ما هو المحبوب المطلوب الذي ينتفع به، ويلتذ بإدراكه.
والثاني: معرفة المعين الموصل المحصل لذلك المقصود.
وبإزاء ذلك أمران آخران:
أحدهما: مكروه بغيض ضار.
والثاني: معين دافع له عنه.
فهذه الأربعة ضرورية لكل عبد، بل لكل حيوان.
وإذا ثبت ذلك فالله تعالى هو الذي يجب أن يكون هو المقصود المدعو