ويرزقه الله عند ذلك دوام المراقبة للرقيب، ودوام التطلع إلى ربه، حتى كأنه يراه ويشاهده فوق سماواته، مستوياً على عرشه، ناظراً إلى خلقه، سامعاً لأصواتهم، مطلعاً على حركاتهم.
فإذا استولى هذا على العبد، غطى عليه كثيراً من الهموم بالدنيا وما فيها، فهو في وجود بين يدي ربه ووليه، والناس في وجود آخر.
ثم يفتح له باب الشعور بمشهد القيومية لربه على جميع الكائنات، فيرى سائر التقلبات الكونية، وتصاريف الوجود بيده سبحانه وحده.
فيشهده ذلك ربه العظيم، مالك النفع والضر، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة، فيتخذه وحده وكيلاً، ويرضى به رباً ومدبراً، وعند ذلك إذا وقع نظره على شيء من المخلوقات دله على خالقه وبارئه.
فإذا استمر له ذلك، فتح عليه باب القبض والبسط، فيقبض عليه حتى يجد ألم القبض لقوة وارده، وتفيض أنوار المعرفة والمحبة والإخلاص من قلبه، كما يفيض نور الشمس من جرمها.
وكلما سار إلى ربه من الطريق الموصل إليه، زادت الهداية في قلبه، وزاد نور الإيمان، وانشرح صدره، ووجد اللذة في طاعة مولاه.
فإذا استمر على حاله، واقفاً بباب مولاه، لا يلتفت عنه يميناً ولا شمالاً، ولا يجيب غير من يدعوه إليه، ويعلم أنه لم يصل بعد، رجا أن يفتح له فتح آخر، هو فوق ما كان فيه.
فيستغرق قلبه في أنوار مشاهدة جلال الله، بعد ظهور أنوار الوجود الحق، ويبقى قلبه سابحاً في بحر من أنوار آثار الجلال والجمال لربه، فتنبع الأنوار من باطنه، كما ينبع الماء من العين، ويجد قلبه عالياً صاعداً إلى من ليس فوقه شيء.
ثم يرقيه الله تبارك وتعالى فيشهد قلبه أنوار الإكرام، بعد ما شهد أنوار الجلال