فيستغرق في نور من أنوار أشعة الجمال والإكرام، والإنعام والإحسان، فيذوق المحبة الخاصة، الملهبة للارواح والقلوب، الباعثة لحسن العبادة، ولذة المناجاة.
فيبقى القلب مأسوراً في يد حبيبه العزيز الكريم، ووليه الغفور الرحيم، ممتحناً بحبه، مستسلماً لطاعته، متلذذاً بعبادته، مستغرقاً في جلاله وجماله، وهذا غاية مراد الرب من عبده: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)} [الجمعة: ٤].
والناس مفتونون ممتحنون بما يفنى، من الأموال والأشياء، والصور والرئاسة، معذبون بذلك قبل حصوله، وحال حصوله، وبعد حصوله.
وأشرفهم منزلة، وأعلاهم مرتبة، من يكون مفتوناً بالحور العين، أو عاملاً على تمتعه في الجنة، بالأكل والشرب والجماع واللباس.
وهذا المحب قد ترقى في درجات المحبة على غيره، ينظرون إليه في الجنة كما ينظرون إلى الكوكب الدري الغابر في الأفق، لعلو درجته عند ربه، وقرب منزلته من حبيبه.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الأفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! تِلْكَ مَنَازِلُ الأنْبِيَاءِ، لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ:«بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ» متفق عليه (١).
وهذا العبد معية الله معه، فإن المرء مع من أحب، ولكل عمل جزاء، وجزاء المحبة المحبة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٢٥٦)، ومسلم برقم (٢٨٣١)، واللفظ له.