للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا فاز بشهوته وحظه، رضي ربه أم سخط، فهو متعبد لغير الله حباً وخوفاً ورجاءً، ورضاً وسخطاً، وتعظيماً وذلاً.

إن أحب أحب لهواه .. وإن أبغض أبغض لهواه .. وهواه أحب إليه وآثر عنده من رضا مولاه.

فالهوى إمامه .. والشهوة قائده .. والجهل سائقه .. والغفلة مركبه .. والسيئات تجارته .. والمعاصي بضاعته .. والمحرمات سلعته.

لا يستجيب لداعٍ ولا ناصح، ويتبع كل شيطان مريد .. من الإنس والجن، فهذا أخبث القلوب وأنجسها وأركسها: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)} [غافر: ٣٥].

والقلب الثالث: قلب له حياة وبه علة، فهو السقيم.

فله مادتان: تمده هذه مرة .. وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما.

ففيه من محبة الله تعالى، والإيمان به، والإخلاص له، والتوكل عليه، ما هو مادة حياته ونجاته.

وفيه من محبة الشهوات وإيثارها، والحرص على تحصيلها، والحسد والكبر والعجب، وحب العلو والفساد في الأرض بالرياسة، والظلم، ما هو مادة هلاكه وعطبه.

وهو ممتحن بين داعيين:

داعٍ يدعوه إلى الله والدار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة، وهو إنما يجيب أقربهما منه بابًا، وأعلاهما صوتًا، وأكثرها حضوراً.

فالقلب الأول حي مخبت واع لين، والثاني يابس ميت، والثالث مريض.

فإن كان له مذكر فهو إلى السلامة أدنى، وإن لم يكن له مذكر فهو إلى العطب أدنى، وهوصيد من يسبق إليه.

وقد جمع الله بين هذه القلوب الثلاثة في قوله سبحانه: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>